2012/01/10
عرض تقرير "شركة الخوف"
جذور شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا
Fear, Inc.
The Roots of the Islamophobia
Network in America
الصّادر عن مركز التقدّم الأميركي، في
أغسطس 2011
يعدّ التّقرير الذي نستعرض أهمّ خلاصاته في المقال التالي
عملًا بحثيًّا طال انتظاره، ويأتي في توقيتٍ مهمّ، بعد مرور عقدٍ كامل على أحداث
الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، فهو يتقصّى جذور شبكة الإسلاموفوبيا
في أميركا بطريقةٍ فريدة، حيث يرصد المشاركين فيها والدّاعمين لها على مستوياتٍ
مختلفة كالفكر والتّمويل والإعلام والعمل الجماهيريّ والسياسيّ.
ولهذا، نحن أمام تقرير مهمّ يرصد أبعاد حملة الإسلاموفوبيا
في أميركا من دون أن ينشغل كغيره من التّقارير بالتّفاصيل النظريّة المتعلّقة
بتعريف ظاهرة الإسلاموفوبيا أو سياقها السياسيّ والحضاريّ. لذا نحن أمام عملٍ
بحثيّ يستحقّ القراءة بدقّة وعناية والتّرجمة إلى اللغة العربيّة لشرح محتواه
المهمّ للقارئ العربيّ المعنيّ بموضوعه.
فالتقرير الصّادر عن مركز التقدّم الأميركيّ (Center
for American Progress)، وهو مركز أبحاث أميركيّ ليبراليّ التوجّه،
يوضّح مدى تطوّر شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا خلال السّنوات العشر الأخيرة،
والنموّ السّريع والمتصاعد لتلك الظّاهرة، والتي تطوّرت بصفةٍ ملحوظة منذ عام
2001، ونمَت أكثر وبشكل مقلق خلال العامين الأخيرين.
فقبل عشر سنوات، لم تكن شبكة الإسلاموفوبيا بهذا الحجم، وما
كانت تضمّ كلّ هؤلاء الإعلاميّين والكتّاب والسّياسيّين والقادة الجماهيريّين. ولم
تكن أيضًا قد انتشرت في نواحٍ مختلفة من الحياة العامّة الأميركيّة، وخاصّة على
المستوى السياسيّ الجماهيريّ كما يوضّح التّقرير وسنوضّح خلال عرضنا له. هذا يعني
أنّنا أمام خطر حقيقيّ متنامٍ.
ولعلّ صدور هذا التّقرير في الفترة الحاليّة عن مركز أبحاث
أميركيّ معروف نسبيًّا في واشنطن، هو جرس إنذار عالي الصّوت لكلّ المعنيّين
بمكافحة الظّاهرة ومواجهتها، وهي التي تؤثّر يوميًّا في صورة الإسلام والمسلمين في
أميركا وفي العلاقة بين الولايات المتّحدة ودول العالم الإسلاميّ.
تعريف الإسلاموفوبيا وخطورتها
تقول الدّراسة إنّ الإسلاموفوبيا هي "خوف، أو كراهية،
أو عداء مبالغ فيه ضدّ الإسلام والمسلمين، وتقوم على صور نمطية سلبيّة، وتؤدّي إلى
التحيّز ضدّ المسلمين والتمييز ضدّهم وتهميشهم وإقصائهم من الحياة الأميركيّة
الاجتماعيّة والسياسيّة والعامّة".
وهذا يعني أنّ الإسلاموفوبيا ليست تحيّزًا عارضًا ضدّ
الإسلام والمسلمين بسبب عدم المعرفة أو الجهل، وينتهي عند الشكّ البسيط القابل
للزّوال في أقرب فرصة، إنّما الإسلاموفوبيا خوف وعداء مبالغ فيهما لا يتوقّفان فقط
عند مستوى الشّعور أو الفكر، بل يتخطّيانه إلى مستوى العمل من خلال الحضّ على - أو
المشاركة في - تهميش المسلمين والإسلام كجماعة ودين من الحياة العامّة الأميركيّة
على مستوياتٍ مختلفة وتشويه صورتهم. وتشرح الدّراسة أمثلة عديدة لكتّاب وسياسيّين
وكتب وسياسات ومظاهرات وحركات جماهيريّة شاركت في ذلك.
وتقول الدّراسة إنّ الإسلاموفوبيا هي امتداد لحركات
الكراهية الأميركيّة. وهي حركات عديدة وقديمة قدم أميركا نفسها، وعانت منها
تاريخيًّا جماعات أميركيّة مختلفة كالسّود وبعض المهاجرين وبعض الطّوائف الدينيّة
المسيحيّة لأسبابٍ مختلفة، وهنا تقول الدّراسة:
"للأسف المسلمون الأميركيون والإسلام هما الفصل الأحدث
في كفاح أميركيّ طويل ضدّ استخدام الآخرين 'كبش فداء‘ لأسبابٍ دينيّة وعرقيّة
وعقائديّة".
وتقول أيضًا:
"شبكة الكراهية ليست حديثة في أميركا، ولكن قدرتها على
التّنظيم والتّنسيق ونشر أيديولوجيّتها من خلال المنظّمات الجماهيريّة زادت
دراماتيكيّا خلال السّنوات العشر الأخيرة. أكثر من ذلك، أنّ قدرتها على التّأثير
في خطاب السياسيّين وقضاياهم الخلافيّة في انتخابات عام 2012 حوّلت أفكارًا كانت
تعتبر في السّابق خطابًا متطرّفا إلى تيّار عامّ رئيسيّ".
وهذا يعني أنّ شبكة الإسلاموفوبيا لم تولد في أميركا بعد
أحداث 11 أيلول / سبتمبر، فقد وُجدت قبل ذلك بسنوات. وتشير الدّراسة إلى
كتابات بعض روّاد "شركة الإسلاموفوبيا" ومواقفهم كستيفن إمرسون (Steven
Emerson) مؤسّس ومدير مركز المشروع التحقيقيّ عن
الإرهاب (The Investigative Project on
Terrorism) تعود إلى النّصف الأوّل من تسعينيّات القرن
الماضي.
وكانت قفزة الإسلاموفوبيا الكبرى في أميركا على مرحلتين.
المرحلة الأولى هي التالية لأحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر، إذ
شهدت نموًّا واسعًا لظاهرة الإسلاموفوبيا حيث امتدّت إلى عددٍ أكبرَ من الخبراء
ووسائل الإعلام والحركات اليمينيّة الأميركيّة، ممّا أدّى إلى تدهورٍ كبير في صورة
الإسلام والمسلمين. وتشير استطلاعات الرّأي الأميركيّة إلى أنّ الإسلام هو أكثر
الأديان التي ينظر لها سلبيًّا في أميركا في الوقت الحاضر، حيث ينظر 37% فقط من
الأميركيّين بنظرة تفضيليّة للإسلام، وهي النّسبة الأقلّ منذ عشر سنوات، وذلك
وفقًا لاستطلاعٍ قامت به شبكة ABC NEWS وصحيفة واشنطن بوست في عام 2010. وهي نظرة تُرجمت في رفض مجتمعيّ
أميركيّ للمسلمين الأميركيّين، حيث تشير الاستطلاعات إلى أنّ 28% من النّاخبين
الأميركيّين لا يعتقدون أنّ المسلمين يحقّ لهم الخدمة في المحكمة العليا
الأميركيّة، ويعتقد ثلث الأميركيّين تقريبًا أنه يجب منع المسلمين من الترشّح
للرّئاسة، وذلك وفقًا لاستطلاع مجلّة تايم الأميركيّة في عام 2010.
أمّا مرحلة النموّ الثانية، فهي الفترة منذ عام 2008 وحتّى الآن، إذ يتّضح من
التّقرير الذي نحن بصدد عرضه أنّ خروج الجمهوريّين من الحكم وصعود نجم الرّئيس
الأميركيّ الحالي باراك أوباما أدّى إلى تشدّدٍ كبير من جانب الحركات اليمينيّة
الأميركيّة وتحرّر يدها في الهجوم على الإسلام والمسلمين، كما رأى بعضهم في باراك
أوباما ومسلمي أميركا عدوًّا مشتركًا. إذ عمد هؤلاء إلى تصوير أوباما على أنّه
مسلم أو مسلم مستتر يخفي إسلامه، أو شخص متعاطف مع المسلمين، وصبّوا غضبهم عليه
وعلى المسلمين على أنّهم جزءٌ من مؤامرة ضدّ أميركا.
ويرصد التّقرير عددًا من المقولات الخطيرة في حقّ أوباما
والمسلمين، إذ كتب فرانك غافني (Frank
Gaffney) - أحد أبرز أعضاء شبكة الإسلاموفوبيا في
أميركا وفقًا للدّراسة - مؤسّس ومدير مركز سياسات الأمن (The
Center For Security Policy) مقالا بعنوان "أوّل رئيس مسلم
لأميركا؟"، يقول فيه إنّ هناك "أدلّة متراكمة على أنّ الرّئيس ليس فقط
مرتبطًا بالمسلمين، ولكنّه أيضا قد يكون لا يزال واحدًا منهم".
شبكة الإسلاموفوبيا
تشير الدّراسة الرّاهنة إلى أنّ الإسلاموفوبيا بمعناها
السّابق لا تنتشر في أميركا بهذه السّرعة تلقائيًّا أو كنتيجة للتوتّر الذي تمرّ
به العلاقات بين أميركا وبعض الدّول المسلمة، أو بسبب التحيّزات القديمة وأخطاء
الإعلام الأميركيّ في تغطية قضايا الإسلام والمسلمين.
الدراسة تقول لنا إنّ الإسلاموفوبيا في أميركا مقصودة ويقف
وراءها مجموعة من المؤسّسات اليمينيّة المتشدّدة، والتي تسمّيها الدّراسة "شبكة
الإسلاموفوبيا".
هذا يعني أنّنا أمام عدّة مؤسّسات تعمل في تكاملٍ وعن قربٍ
لنشر الإسلاموفوبيا على مستوياتٍ مختلفة. وهذا يعني أيضًا أنّها مؤسّسات مختلفة
تقوم بوظائفَ متمايزة، فبعضها ينتج الأفكار وبعضها يموّل، وفريق ثالث ينشر الأفكار
في الإعلام، ورابع ينشرها في أروقة السّياسة وفي أوساط الجماهير، وهناك أيضًا من
يترجمها في صورة سياسات وقوانين وقرارات حكوميّة.
وهذا يوضّح أنّ مواجهة تلك الشّبكة ليست بعمليّة سهلة، لذا
يقول مؤلّفو الدّراسة إنّ دراستهم هي بمثابة "خطوة أولى مطلوبة لفضح تأثير
المؤسّسات والأشخاص والجماعات التي تكوّن شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا".
وتشير الدّراسة إلى أنّ شبكة الإسلاموفوبيا تتكوّن من ستّ حلقات رئيسة تتضمّن كلّ
حلقة عددًا من المؤسّسات المتخصّصة.
الحلقة الأولى هي حلقة التّمويل، والتي تضمّ مجموعة من
المؤسّسات الخيريّة التي تعمل في مجال تمويل الأعمال البحثيّة والعلميّة. وتوفّر
هذه المؤسّسات ملايين الدّولارات للحلقة الثّانية من حلقات شبكة
الإسلاموفوبيا والتي تتضمّن مجموعة من الخبراء المعنيّين بقضايا الإرهاب والإسلام
والمسلمين الأميركيّين وعلاقة أميركا مع العالم الإسلاميّ. ويرتدي هؤلاء الخبراء "المزيّفون"
زيّ رجال العلم وقبّعات الخبراء والمثقّفين، وفي الحقيقة هم يستخدمون بعض القدرات
العلميّة في إنتاج أبحاثٍ ومقالات وكتبٍ غير علميّة ومليئة بالمغالطات عن الإسلام
والمسلمين، وتكون هذه الموادّ القاعدة الفكريّة التي تبني عليها حلقات الإسلاموفوبيا
الأخرى عملها في تشويه صورة الإسلام والمسلمين.
الحلقة الثّالثة هي حلقة اليمين الأميركيّ المتديّن،
ويلعب فيها عدد من قادة هذا التيّار دورًا بالغ الخطورة في نشر الأفكار المعادية
للإسلام والمسلمين في أوساط المسيحيّين المتديّنين، وذلك بالتّعاون مع الحلقة
الرّابعة وهي حلقة المنظّمات الجماهيريّة، أو منظّمات العمل السياسيّ
والجماهيريّ والتّعبئة الجماهيريّة المعنيّة بنشر الخوف من الإسلام والمسلمين في
أميركا. وتتخصّص هذه المنظّمات في تنظيم الأفراد جماهيريًّا وسياسيًّا بالاستعانة
بخبراء متخصّصين بالعمل السياسيّ في الولايات المتّحدة، يستخدمون أحدث الأساليب
الحديثة (الإلكترونيّة والتقليديّة) في تعبئة الجماهير وتوحيدهم وإشراكهم في
النّدوات والمؤتمرات والمظاهرات المعادية للإسلام والمسلمين في أميركا.
ولعلّ ظهور المؤسّسات السّابقة وانتشارها بهذا الشّكل جديدٌ
وقد يعود إلى عام 2008 بالأساس، وخطورة هذه المؤسّسات تكمن في أنّها تحوّل
الكراهية للإسلام والمسلمين إلى عملٍ جماهيريّ منظّم ممّا يساعد على نشره من
ناحية، وعلى تحويل العداء للإسلام والمسلمين إلى حملة سياسيّة منظّمة من ناحيةٍ
أخرى، وكأنّ الإسلام والمسلمين في أميركا خطرٌ شديدٌ محدق يحتم التحرّك ضدّه بعمل
سياسيّ وجماهيريّ منظّم ومعادٍ. وأعتقد أنّ ظهور تلك المؤسّسات بالشّكل الذي
تتحدّث عنه الدّراسة نذير خطر وقلق كبيرين.
أمّا الحلقة الخامسة من حلقات شبكة الإسلاموفوبيا
في أميركا فتضمّ الإعلام اليمينيّ الأميركيّ المتشدّد الذي يستضيف خبراءَ الشّبكة
ونشطاءَها الجماهيريّين وسياسيّيها ورجال الدّين الدّاعمين لدعوتها ويحوّلهم إلى
قادة رأي تُنشر أخبارهم وتُوزّع على أوسع نطاق ويَرجع الإعلام إليهم كجزء أصيل من
سعيه لتغطية الأخبار والأحداث، وبهذا تنتشر رسالة الإسلاموفوبيا ويتحوّل القائمون
عليها إلى خبراء يُحتفى بهم.
أمّا الحلقة السّادسة والأخيرة والمؤسفة فهي حركة
بعض السياسيّين الأميركيّين اليمينيّين الذين تبنَّوا دعاوى الإسلاموفوبيا
وتحدّثوا عنها وحوّلوها أحيانًا إلى قواعدَ للسّياسات وجلسات الاستماع في الكونغرس
الأميركيّ، وبهذا أعطَوا شبكة الإسلاموفوبيا مزيدًا من الصدقيّة، وسعوا إلى
ترجمتها إلى قوانين وسياسات، وحوّلوها إلى قضيّة سياسيّة ينقسم بشأنها السياسيّون
الأميركيّون بين مؤيّدٍ ومعارض.
قيادات شبكة الإسلاموفوبيا
الدّراسة مليئة بأمثلةٍ عديدة عن أهمّ الفاعلين في شبكة
الإسلاموفوبيا، وبعضهم أكثر شهرةً من الآخرين. وهناك أيضًا أسماء جديدة كثيرة يصعب
الوعي بها وبخلفيّاتها وبدورها إلا من قبل المعنيّين المتابعين من الدّاخل
الأميركيّ نفسه، وهذا علامة على تنامي شبكة الإسلاموفوبيا المستمرّ.
وبالطّبع يصعب عرض جميع تلك الأسماء والمؤسّسات، لذا رأينا
أن نلخّص في الفقرات التالية بعض أهمّ هؤلاء الفاعلين.
أوّلا: فيما يتعلّق بالتّمويل، تشير الدّراسة إلى سبع
مؤسّسات خيريّة منحت مجموعة من مراكز الأبحاث المعنيّة بنشر الإسلاموفوبيا 42.6
مليون دولار بين عامي 2001 و2009، وهو رقم كبير يشير إلى قيمة التّمويل الذي
تتمتّع به مراكز أبحاث تُذكي الإسلاموفوبيا، وبعض هذه الأبحاث معروفٌ بدعمه لقضايا
اليمين الأميركيّ وإسرائيل، وبعضها أقلّ شهرةً.
وتموّل مصادر التّمويل ذاتها مراكز أبحاث يمينيّة معروفة
مثل "هيرتاج فوندايشن" (Heritage Foundation) ومعهد "أميركان انتربرايز" (The
American Enterprise Institute) المعروف بأنّه أحد أهمّ معاقل المحافظين
الجدد في واشنطن.
ويقول التّقرير إنّ "هذه الأموال تمكّن جماعة صغيرة
للغاية ومترابطة من الكتّاب والخبراء والمنظّمين النّشطاء الجماهيريّين اليمينيّين
والراديكاليّين من صياغة وتشارك حزم من المعلومات الخاطئة عن الإسلام والمسلمين
الأميركيّين".
ثانيًا: فيما يتعلّق بخبراء الإسلاموفوبيا، يركّز التّقرير
على دانيال بايبس Daniel Pipes
وفرانك جافني Frank Gaffney
وستيفن إميرسون Steven Emerson
وروبرت سبنسر Robert Spencer.
ولكلّ واحد منهم حكاية طويلة مع الإسلام والمسلمين في أميركا وسلسلة من الكتابات
المسيئة.
ويتبنّى هؤلاء أفكارًا تركّز على مهاجمة الشّريعة
الإسلاميّة على أنّها "أيديولوجيّة سلطويّة" و"مبدأ سياسيّ قانونيّ
عسكريّ". ويقولون إنّ الشّريعة هي المشكلة وإنّ المساجد هي "أحصنة
طروادة" لإدخال الشّريعة إلى أميركا، وإنّ أميركا عرضة للجهاد، وإنّ
"الجهاد الخفيّ" يسعى إلى نشر الشّريعة في أميركا.
ويركّز هؤلاء في هجومهم على جماعة الإخوان المسلمين في
الأساس، فيرون أنّها تسيطر على منظّمات مسلمي أميركا، ويرون أنّ أوباما "مسلم
متخَفٍّ.. وهو جزء من مؤامرة المسلمين لنشر الشّريعة في أميركا" وأنّه يحظى
بدعم الإخوان الذين يموّلون 80% من المساجد في أميركا.
ويرى هؤلاء أنّ الحلّ هو منع المسلمين الأميركيّين من
"التسلّل" إلى مؤسّسات الدّولة الأميركيّة ومحاربتهم ومحاربة الجماعات
الأميركيّة التي تدعمهم، لذا يشنّون هجومًا شديدًا على بعض النّاشطين المسلمين
الأميركيّين وبعض الشّباب المسلم الذي يعمل في واشنطن، وعلى السياسيّين
الأمريكيّين الذين يدعمونهم.
وللأسف تجد هذه الأفكار طريقها من خلال حلقات شبكة
الإسلاموفوبيا إلى المجتمع والسّياسة في أميركا، ونجدها تتكرّر حرفيًّا وفي
تنوّعات مختلفة من خلال مؤسّسات شبكة الإسلاموفوبيا الإعلاميّة والجماهيريّة
والدينيّة.
ثالثًا: على مستوى المنظّمات الجماهيريّة، يتحدّث التّقرير
عن عددٍ من المنظّمات التي أُسّست حديثًا، وعلى رأسها منظّمة "أوقفوا أسلمة
أميركا" (Stop the Islamization of America) وترْأسها باميلا جيلر Pamela
Geller، ومنظّمة "تصرّفوا من أجل أميركا"
(Act For America) ويرْأسها بريجيت جبريل Brigitte
Gabriel، وعن تعاون تلك المنظّمات مع حركة حفلات
الشّاي الأميركيّ (Tea Party Movements) الصّاعدة.
وتحوّل تلك المنظّمات أفكار خبراء الإسلاموفوبيا المغلوطة
إلى حملات جماهيريّة مستخدمة أحدث أساليب التّعبئة الجماهيريّة والعمل السياسيّ،
الإلكترونيّة منها والعمليّة، وتدّعي منظّمة "تصرّفوا من أجل أميركا"
أنّها تمتلك 573 فرعًا عبر الولايات الأميركيّة، وأنّها تعدّ في صفوفها 170 ألف
عضو، وقد بلغت ميزانيّة المنظّمة في عام 2009 نحو مليون دولار أميركيّ، وهي أموال
تضاف إلى ميزانيّة وموارد شبكة الإسلاموفوبيا وأعضائها ونشاطاتها.
رابعًا: تستفيد الحلقات السّابقة من دعم قادة اليمين
المسيحيّ المتشدّدين في أميركا، حيث تركّز الدّراسة على عددٍ من القادة الكبار
الذين باتوا يلعبون دورًا متزايدًا في نشر الإسلاموفوبيا في أميركا، وعلى رأسهم
بات روبتسون Pat Robertson وجون هاغي John Hagee ورالف ريد Ralph Reed وفرانكلين غرام Franklin Graham، وهم جميعًا من القادة الدينيّين والسياسيّين المعروفين في
أميركا، ولهم أتباعٌ ومريدون يقدَّرون بعشرات الآلاف وفقًا للتّقديرات المتحفّظة.
ويتبنّى هؤلاء مقولات خبراء الإسلاموفوبيا ونشطائها، ويضفون عليها صدقيّة لدى
أتباعهم.
خامسًا: يأتي دور وسائل الإعلام الأميركيّة اليمينيّة، حيث
ترصد الدّراسة عددًا من الفاعلين الكبار وعلى رأسهم شبكة "فوكس نيوز"،
وصحيفة "واشنطن تايمز"، ومجلّة "ناشيونال ريفيو"، وشبكة
"سي بي إن" التّابعة لبات روبرتسون، وعددًا من نجوم البرامج الحواريّة
الأميركيّة مثل رش ليمبو Rush Limbaugh، وشون هانيتي Sean Hannity وغلين بك Glenn Beck، وغيرهم.
وبالطّبع، تساهم تلك القنوات والأبواق الإعلاميّة في نشر
أكاذيب الإسلاموفوبيا بشكلٍ سريع ومقلق من دون تدقيقٍ أو تمحيص في مصادرها وما
تقوم عليه من أكاذيبَ أو حقائق.
سادسًا: يحلّ الدّور المؤسف لسياسيّين يتبنّون مقولات
الإسلاموفوبيا ويردّدونها ويدعمونها سياسيًّا وتشريعيًّا، وعلى رأسهم النوّاب:
بيتر كينغ Peter King،
وسو ميريك Sue Myrick،
وآلان وست Allen West،
ورينيه آلمز Renee Elmers،
وبول برون Paul Broun.
ويقول التّقرير إنّ السياسيّين يدعمون شبكة الإسلاموفوبيا
بدرجةٍ كبيرة من خلال "ترويج أساطيرهم على أنّها حقائق، وصياغة حملات لجمع
التبرّعات السياسيّة واجتذاب ناخبين جدد بناءً على معلوماتٍ كاذبة عن الإسلام
والمسلمين".
ويشير التّقرير إلى عقد النّائب بيتر كينج جلسات استماع في
الكونغرس في مارس 2011 بعنوان: "ما مدى راديكاليّة المجتمع المسلم
الأميركيّ"، استخدم فيها معلومات مغلوطة من خبراء الإسلاموفوبيا تقول إنّ
"80 إلى 85% من المساجد في أميركا يتحكّم فيها أصوليّون إسلاميّون".
خاتمة وتعليق
وفي النّهاية، بقي لنا أن نركّز على أربع خلاصات رئيسة:
أوّلًا: الإسلاموفوبيا في زيادةٍ في الولايات المتّحدة
الأميركيّة، وهي الآن أكثر انتشارًا ممّا كانت عليه قبل عشر سنوات مضت، بل إنّها
زادت بشكلٍ دراماتيكيّ منذ عام 2008.
ثانيًا: للإسلاموفوبيا تنظيمها الخاصّ، وتتمتّع بشبكةٍ من
المنظّمات المتكاملة والمتعاونة في عملها وبميزانيّة ضخمة وخبراء ومناصرين.
ثالثًا: هذه الدّراسة التي نعرضها مفيدة للغاية وحافلة
بالأمثلة العمليّة والحقيقيّة وبشرحٍ وافٍ ومحدّد عن أهمّ الفاعلين في شبكة
الإسلاموفوبيا.
رابعًا: أهمّية هذه الدّراسة تتطلّب ترجمتها إلى العربيّة
وربّما استفادت المؤسّسات العربيّة والإسلاميّة المعنيّة منها في خططها العمليّة
لمواجهة خطر الإسلاموفوبيا المتصاعد.
النصّ الكامل للدّراسة موجود على الموقع التّالي:
جذور
شبكة الإسلاموفوبيا في أميركا، مركز التقدّم الأميركيّ، آب / أغسطس
2011.