رؤى أميركية جديدة للعلاقة مع مصر
بقلم: علاء بيومي
من المتوقع أن نشهد في الظروف الحالية مزيد من الدراسات الأميركية الجديدة عن
علاقة الولايات المتحدة مع مصر، وأن تكشف هذه الدراسات عن رؤى وأبعاد جديدة لتلك
العلاقة لم نكن نعلم بها مسبقا، وقد تكشف أيضا معلومات لا نعرفها عن موقف القيادات
المصرية نفسها من تلك العلاقات.
ومن هنا تأتي أهمية تقرير صغير للغاية (10 صفحات فقط) أصدره مركز الدراسات
الإستراتيجية والدولية بواشنطن، عن خيارات أميركا في التعامل مع مصر خلال الفترة
الانتقالية.
مركز الأبحاث المذكور معروف وذو ثقل أكاديمي وسياسي، وقد بادر بجمع 15 من الخبراء
الأميركيين في الشئون المصرية ونظم لهم عدة جلسات في نهاية عام 2011 للتشاور وجمع
تصوراتهم لما يجري في مصر وعن البدائل المتاحة أمام أميركا للتأثير على المشهد
المصري، وخرج المركز من تلك الاجتماعات ببعض الأفكار – لخصها في التقرير الذي بين
أيدينا - والتي نعتقد أنها جديدة وتستحق الرصد بعناية.
السياسة الداخلية
أولا: فيما يتعلق بموقف أميركا من العملية السياسية الجارية في مصر حاليا،
يرى التقرير أن حلفاء أميركا المفضلين (التيارات الليبرالية والعلمانية) يصعب
التعويل عليهم سياسيا في الفترة المقبلة بسبب ضعفهم السياسي الواضح وأدائهم الضعيف
في الانتخابات، وأن أميركا مضطرة إلى التعامل مع القوى السياسية التي سوف تفرزها
فترة التحول السياسي الصعبة التي تمر بها مصر.
لذا ينصح التقرير الأميركيين بأن يتراجعوا عدة خطوات إلى الوراء وأن يحرصوا على
عدم التدخل السافر في التأثير على العملية السياسة المصرية والحفاظ على علاقات
جيدة وتواصل مع أكبر عدد من القوى السياسية الجديدة في مصر، وأن تركز أميركا في
المقابل على إرساء قواعد سليمة للعملية السياسية في مصر تضمن على الأقل صعود طبقة
من السياسيين الجدد المحترفين القادرين على احترام قواعد العملية السياسية
الديمقراطية وربما الدخول في علاقات سياسية جديدة مع أميركا في المستقبل.
كما ينصح التقرير صانع القرار الأميركي بعدم الانشغال كثيرا بصراعات القوى
السياسية المصرية في الوقت الراهن نظرا لطبيعتها "الرمزية" والتي تركز
على الداخل بالأساس وتهدف إلى الظهور بمظهر القوة السياسية ذات اليد العليا في
البلاد.
ويبدو من التقرير الاهتمام الأميركي ببعض الفاعلين السياسيين المصريين
الجدد كمؤسسة الأزهر والتي يأمل الخبراء الأميركيون أن تلعب دورا سياسيا أكبر في
المستقبل، ربما لمواجهة النفوذ المتزايد للجماعات السياسية المتدينة في مصر.
السياسات الإقليمية
ثانيا: على صعيد السياسات الإقليمية، يشير التقرير إلى النفوذ المتزايد
لدول الخليج في مصر بسبب دعم تلك الدول للأحزاب الدينية المصرية، ويخشى بالأساس
على إسرائيل، ويقول أن أميركا لن تستطيع الحفاظ على الوضع السياسي الإقليمي القائم
في الشرق الأوسط، ويحذر من زيادة عزلة إسرائيل مما يجعلها تتصرف بشكل فردي وغير
محسوب ومن ردة الفعل المصرية في حالة حدوث تصادم عسكري جديد على غرار حرب غزة
2008.
كما يخشى التقرير من دور الكونجرس السلبي في العلاقات مع مصر وانحيازه لإسرائيل
وسعى الكونجرس لوضع شروط على المساعدات المقدمة إلى مصر، ويقول أن الأحزاب الدينية
الفائزة في الانتخابات المصرية لم تحدد أهداف سياساتها الخارجية بدقة بعد، ولكن
تراجع الجيش ودوره في السياسة المصرية يعني أن على أميركا توقع سياسة خارجية مصرية
مختلفة خاصة في ظل شعور المصريين الشعبي المعارض للسياسة الخارجية الأميركية وشعورهم
بالغيرة من الدور الإقليمي المتزايد الذي تلعبه بعض الدول كتركيا في ظل تراجع
الدور السياسي المصري.
العلاقات العسكرية
ثالثا: فيما يتعلق بالعلاقات العسكرية يكشف التقرير عن بعض القضايا الهامة
المتعلقة بعلاقة المجلس العسكري الحاكم في مصر مع الإدارة الأميركية، إذا يكشف
التقرير عن الاعتماد الأميركي الكبير على مؤسستي الجيش والاستخبارات في مصر في
تحديد طبيعة العلاقة بين البلدين، إذا يرى أنهما الأهم في مصر من وجهة النظر
الأميركية أو "أكثر مؤسسات الدولة فعالية" ومركز الدعم المصري لعلاقات
ثنائية قوية مع أميركا.
ويبدو التعويل الأميركي على العلاقة مع الجيش المصري وقياداته واضحا لأكثر من سبب
من بينها المساعدات التي تقدمها أميركا للجيش المصري سنويا والتي تقدر بربع ميزانيته،
والعلاقات التي تربط الجيش المصري وقياداته بنظرائهم الأميركيين – وفقا للتقرير.
ومع ذلك يكشف التقرير عن حالة من الفتور التي تمر بها علاقة المسئولين
الأميركيين بالجيش المصري في الفترة الحالية لأكثر من سبب.
إذ يقول التقرير أن التواصل مع الجيش المصري يمر الآن عبر وزارة الدفاع
الأميركية الأقرب من الجيش المصري مما يقلل من نفوذ وزارة الخارجية الأميركية على
هذه العلاقة، كما أن الجيش الأميركي يفضل عدم التدخل في القضايا السياسية
والدبلوماسية.
كما يتضح أيضا أن موقف الكونجرس الأميركي المتشدد خاصة فيما يتعلق بوضع
شروط على المساعدات المقدمة لمصر - والذي يتوقع التقرير الأميركي له التزايد في
العامين المقبلين - يمثل عائقا أمام تلك العلاقة.
ويقول التقرير أن عملية صناعة القرار داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة
المصرية غير مفهومة للأميركيين وأن قيادات الجيش المصري تتبنى نزعات "وطنية
وشعوبية" مما يجعلهم رافضين للتأثير الخارجي - بشكل يبدو أنه فاجئ
الأميركيين.
ويشير التقرير أيضا إلى اعتقاده أن قيادات المجلس العسكري لا تشعر بأن
الحكومة الأميركية تقدرها بشكل كافي، حيث يشتكي بعض مسئولي الجيش المصري من إرسال
الولايات المتحدة لوفود منخفضة المستوى، وتخطي أميركا للمجلس العسكري في دعمها
للمنظمات غير الحكومية، وبأن الحكومة الأميركية لا تقدر بشكل كافي مساهمة مصر في
الاستقرار الإقليمي.
ويقول التقرير أن أحد الخبراء الأميركيين اقترح أن تسرب أميركا بعض
المعلومات عن الجيش المصري غير المعروفة للمصريين كنوع من الضغط عليه، ولكن بقية
الخبراء فضلوا عدم الدخول في ضغوط متبادلة، ورأوا أن الجيش المصري يصعب عليه
التخلي عن الدعم الأميركي في الوقت الحالي نظرا لعدم وجود بديل.
ورأى الخبراء أيضا أن مشكلة الجيش المصري تكمن في أنه بلا أيدلوجية أو إستراتيجية
واضحة، وأن الجيش مشغول في الأساس بالدفاع عن مصالحه الخاصة – وفقا لرؤاهم، وذلك
مثل موقعه في النظام السياسي الجديد وثروته الاقتصادية والتي قدرها التقرير بحوالي
10-15 % من الدخل المصري، وتوقع لها التراجع في ظل النظام السياسي الجديد وتحت ضغط
من القوى السياسية المصرية التي تريد دولة يقودها مدنيين وهو هدف (مدنية الدولة) تدعمه
أميركا.
ورأى التقرير أن مصر حتى الآن تفتقر لرؤية إستراتيجية تدمج أهم مؤسستين في مصر
وهما الجيش والمخابرات مع المؤسسات المدنية في رؤية وإستراتيجية مشتركة، وأن على
أميركا أن تدعم في هدوء بناء تلك الرؤية.
كما يرى التقرير أن على أميركا أن تدعم تحول الجيش المصري نحو الاحترافية
(التركيز على العمل العسكري كجيش محترف) والبعد عن السياسة وأن عليها مد يد
المساعدة له خاصة فيما يتعلق بتدريب قوات الجيش والشرطة على المهام الجديدة
والمتغيرة.
الاقتصاد
رابعا: فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية يتنبأ بأن تواجه مصر أزمة اقتصادية في شهر
مارس المقبل بسبب قلة السيولة وتراجع الإنتاج وتزايد الأعباء على الميزانية وقلة
الاحتياطي الأجنبي، ويقول التقرير أن نمو الاقتصاد المصري في عام 2012 صعب للغاية
وإذا حدث فأنه سوف يتم بمعدلات صغيرة وأن توقيت الأزمة القادمة (شهر مارس) سوف
يكون صعب للغاية لأنه سوف يتزامن مع فترة كتابة الدستور والإعداد للانتخابات
الرئاسية.
ويقول التقرير أن الأوضاع الاقتصادية في مصر تزداد صعوبة وتحتاج حل شامل
يتفق عليه المصريون، وأن المبالغة في إرضاء الضغط الشعبي من خلال تعيين أكبر عدد
من طالبي الوظائف بدون إيجاد حل شامل لمشاكل الاقتصاد المصري وزيادة الاستثمارات سوف
يزيد من الأعباء والأزمات.
ويقول التقرير أيضا أن المنح ليست حلا لمشاكل الاقتصاد المصري، وأن الدول
المناحة تريد أن تعرف المستقبل السياسي في مصر وسياسات مصر الاقتصادية القادمة،
وهو أمر يصعب تحقيقه نظرا لتأخر عملية الانتقال السياسي، لذا هناك شعور حاليا بأن
ما سيقدم لمصر الآن لن يكون له عائد كافي.
ويدعو التقرير الولايات المتحدة للسعي من جانبها لتفعيل مفاوضات عقد اتفاقية تجارة
حرة مع مصر ومساعدة مصر في الحصول على استثمارات أجنبية من خلال مبادرات دولية
منظمة على أن يكون ذلك طريقا لأميركا لزيادة علاقتها مع مصر في الفترة المقبلة.
كما يدعو التقرير المؤسسات التعليمية الأميركي إلى الافتتاح على الكفاءات المصرية
وإقامة علاقات إيجابية معها.
وهكذا تسعى أميركا لاستخدام مواطن قوتها في ضمان علاقات أفضل مع مصر المستقبل،
والواضح أن صانع القرار الأميركي يشعر بتراجع نفوذه على صانع القرار المصري، وأن
مصر تمر بفترة تحولات ضخمة غير معروف نتائجها حتى الآن، وأن التسرع في المراهنة
على طرف مصري بعينه خطأ، وأن على أميركا الانتظار والحفاظ على علاقات طيبة مع أكبر
عدد ممكن من الفاعلين السياسيين والتأثير من بعيد قدر الإمكان.
وفي النهاية مواقف الكونجرس الأميركي تعد من نقاط التوتر الأميركي في العلاقة بين
البلدين، أما على الجانب المصري فأمامه تحولات وتحديات ضخمة ويبدو أنه لم يحسم
قراره بعد، وتأخر عملية انتقال السلطة في مصر يزيد من تلك التحديات ومن عدم الحسم
- أو هكذا يظهر للأميركيين، والله أعلم.
----
للإطلاع على نص التقرير المذكور باللغة الإنجليزية، يرجى زيارة الوصلة التالية:
عنوان التقرير هو" مصر في حالة تحول: رؤى وخيارات لسياسة
أميركا"، وهو من تأليف جون آلترمان، وصادر عن مركز الدراسات السياسية
والدولية، ومقره واشنطن، في يناير 2012.
2 comments:
A very good article. Keep the good work, Alaa!
Thank you Mohamed
Post a Comment