Friday, February 04, 2011

تهنئة إلى التلفزيون الرسمي المصري

بقلم: علاء بيومي

www.alaabayoumi.com

تهنئة إلى التلفزيون الرسمي المصري، فقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه، ومن اليوم سوف يكون مثالا يدرس في كتب الإعلام بأكبر جامعات العالم.

فقد نجح خلال الأيام الأخيرة أن يسطر لنفسه تاريخا كجهاز دعاية شمولي كاذب باقتدار على غرار الأجهزة الدعائية بالنظم الشمولية والفاشية التي انقرضت من عقود، حتى عاد التلفزيون الرسمي المصري ليقول للعالم: عذرا نحن هنا، الدعاية الشمولية الفاشية مازالت موجودة في القرن الحادي والعشرين.

التلفزيون المصري الذي اضطررننا لمشاهدته في الأيام الأخيرة بعد توقف خدمات الإنترنت والجوال خاض ويخوض باقتدار حملة دعاية مضللة واسعة وفاشلة في آن واحد.

بعد انهيار الصف الأول من بلطجية النظام الحاكم في مصر يوم الجمعة الماضية كان التلفزيون الرسمي المصري من أول المؤسسات التي حماها الجيش، ومع ذلك كان التلفزيون المصري منهمكا في حملة دعاية كاذبة وملفقة باقتدار ضد شباب مصر وحركته وأفكاره.

حملة التلفزيون المصري بدأت بإذاعة أخبار سيئة عن حالة عدم الأمن والهجمات على المدنيين عبر مصر، حيث بدأ في تلقي رسائل من عدد كبير من المتصلين الباكين والذين يبحثون عمن يحميهم، وبدلا من أن يمرر التلفزيون تلك المكالمات مباشرة إلى الجيش - دون إذاعتها على مسامع الناس المرعوبين - بدأ في إذاعتها على الهواء مباشرة.

ألم يكن الأولى بالتلفزيون المصري الذي يدعي دفاعه عن الاستقرار في مصر أن يطمئن الناس، وأن يدعو رجال الشرطة المنسحبين - بشكل مريب يحقق فيه حاليا – أن يعودوا إلى أماكنهم، وأن ينصح الناس بتنظيم أنفسهم دفاعا عن بلدهم.

على النقيض خاض التلفزيون المصري على مدى أيام حملة لترويع الناس وتذكيرهم بأن مصر باتت فوضى بلا أمان، وأن السبب في ذلك هم المتظاهرون الذي هاجموا مصر واستقرارها ورئيسها الحامي، وأن الحل هو عودة الاستقرار والأمن والرئيس "حامي مصر الأوحد والوحيد"، حتى أن التلفزيون المصري سمى مؤيدي مبارك "مؤيدي الاستقرار" وسمي شباب مصر المتظاهرين في ميدان التحرير "دعاة الفوضى وعدم الاستقرار".

بعد ذلك وبشكل مثير للضحك وللاشمئزاز بدأ التلفزيون المصري في شن حملة على كل من تخلى عنهم النظام، وهي حملات لم يكن يتصورها أحد قبل يوم أو يومين، ففور الإعلان عن حل الحكومة بدأ التلفزيون "غير الوطني وغير المصري في رسالته" في استضافة كم هائل من "المحللين" و"المتصلين" ليكيلوا الاتهامات والهجوم على الوزراء المستقيلين وعلى أحمد عز واتهامهم بأنهم سبب مشاكل مصر، وبالطبع لم يسأل مذيعو تلفزيون التضليل والكذب أنفسهم ولا ضيوفهم أين كان هذا النقد قبل أن تصلهم الأوامر من قبل رؤسائهم بالبدء في نقد مسئولي الحكومة السابقين وأحمد عز لعل ذلك يصرف الناس عن نقد النظام نفسه والرئيس.

في مرحلة تالية عادت بقايا النظام للظهور بعد أيام من فقدان التوازن والانسحاب المهول والذي يذكر المصريين بانسحاب الخاسرين في الحروب بلا نظام ولا ترتيب بعد انهيار رأس للنظام مما يعرض النظام "لنكسة" وهزيمة ساحقة.

عاد العديد من أتباع النظام من الجهلة والبلطجية للظهور على هواتف وشاشات التلفزيون ليشجعوا مزيد من الهجوم على المتظاهرين العزل والأبرياء في ميدان التحرير ويتهمونهم بأخذ البلد رهينة بسبب ما يقومون به وتخوينهم وتأليب الناس عليهم وتصويرهم على أنهم خونة وغير وطنيين ومندسين وأتباع أجندات أجنبية وأجانب وغير مصريين وغير شرفاء وهوجاء ولا يمثلون المصريين وكم رهيب من الاتهامات والتأليب والدعاية ونشر الكراهية.

وبالطبع قادت الدعاية المؤسفة تحت أعين بلطجية النظام في التلفزيون المصري وخارجه إلى الهجوم على المتظاهرين الأبرياء وقتلهم من قبل رعاع وبلطجية وسفاحين وقطاع طرق.

هذا في الوقت الذي بدأ التلفزيون المصري في تحذير المتظاهرين بأن مثيري الشغب يتوجهون بكرات من النار إلى ميدان التحرير، وهو ما حدث وسجلته وسائل الإعلام.

وبهذا تحول التلفزيون المصري لأداة ليس فقط للتعتيم الإعلامي على غالبية المصريين، ولكن أيضا للتأليب على المتظاهرين الأبرياء والحشد ضدهم.

حدث ذلك أمام أعين العالم كله بشكل أحرج النظام ليرسل في اليوم التالي بلطجيته لترويع الصحفيين الأجناب وملاحقتهم ومنعهم من نقل الحقيقية حتى بات النظام أضحوكة العالم ومادته الصحفية الأولى وسطر لنفسه اسما بجوار كبار منتهكي الحريات المدنية في العصر الحديث.

أما بعد صمود المتظاهرين الأبرياء أمام أعين كاميرات العالم وبعدما أدرك النظام حجم الخطأ الذي ارتكبه وأعتذر رئيس الوزراء وغير نائب الرئيس من خاطبه تجاه المتظاهرين، بدأ التلفزيون المصري فورا كعادته في التلون وإتباع التعليمات وكأن شيء لم يحدث والتأكيد على أنه كان دوما مع "الحوار" دون أن يتوقف عن إذاعة التقارير المغرضة عن المتظاهرين وانضمامهم للحوار هم وبعض قادة المعارضة ورغبتهم في ترك ميدان التحرير.

حجم الحملة التي خاضها التلفزيون المصري كشف عن كثير من أخطاء النظام وجرائمه.

كشفت أولا عن عقلية البلطجة التي تسيطر على النظام وإتباعه، عقلية البلطجي هي بالطبع عقلية محدودة الثقافة والفهم والإطلاع تابعة لمن يملك النقود والقرار، تنفذ ما يطلب منها بلا ذكاء أو رؤية وبأي ثمن حتى لو كان ذلك على حساب الأبرياء وأرواحهم وعلى حساب البلد نفسها.

التلفزيون المصري ظهر تابعا للأوامر يتلون كل لحظة مع تغير وضع النظام.

التلفزيون المصري لم يتوان عن نشر الرعب بين الناس وترويعهم.

التلفزيون المصري ألب الشعب على المتظاهرين ولعب دورا يجب التحقيق فيه في تشجيع الاعتداء على المتظاهرين في ميدان التحرير.

ويبدو أن عقلية البلطجة المستمرة منعت التلفزيون المصري من امتلاك المواهب والخطط الذكية للتعامل ما حدث، وكيف يمكن لتلفزيون تابع في نظام بلطجي من تملك فكر ورؤية للتعامل مع حدث ديمقراطي حر هو الأكبر من نوعه منذ عقود.

كان يمكن للتلفزيون المصري أن يتحدث من البداية بلغة ديمقراطية وأن يعرض الرأي والرأي الأخر، كان يمكن له إدانة الاعتداء على المتظاهرين ودعوة الجميع للحوار والبعد عن الشارع والعنف، كان يمكن للتلفزيون المصري الحديث أن يتحدث لطوائف الشعب المختلفة ويعرض وجهات نظرهم.

ولكن التلفزيون المصري كان ومازال أداة دعائية في يد النظام ينبغي محاسبته كمسئول رئيسي عن الأزمة الحالية ومحاسبة مسئوليه وإعادة بناء قياداته ورسالته في أي مصر ديمقراطية حرة آتية بأذن الله.

No comments: