شكرا دكتور البرادعي
بقلم: علاء بيومي
هناك من يلوم البرادعي، هناك من يرى أنه عاش خارج مصر كثيرا، وأن غريب عن حس المصريين وفكرهم وأسلوب حديثهم.
هناك من يرى أن البرادعي لا يمتلك الكاريزما الكافية ولا يتقن الحديث إلى المصريين بأسلوب يجذبهم.
هناك من يرى أن البرادعي يسافر كثيرا، حتى أن الثورة بدأت والبرادعي في أوربا.
هناك من يرى أن البرادعي لا يسير في المظاهرات، ولم يشارك في الاحتجاجات، فهو لم يسجن أو يعتقل، أو حتى يصطدم ببعض رجال الأمن والشرطة، وأن البرادعي يقرر قيادة الثورة من منزله أو من برج عاجي كما يرى البعض.
هناك من يرى أن البرادعي لن يتمكن من الصمود كثيرا أمام أحزاب المعارضة المصرية وخلافاتها وانقساماتها التي لا تحصى، وأن الرجل لم يظهر حتى الآن جلدا سياسيا كافيا لمواجهة تحديات السياسة المصرية وتقلباتها.
لكن، البرادعي لعب ويلعب دورا كبيرا نأمل أن يقدره المصريون.
خلال أيام الثورة ظل البرادعي زعيما محوريا في عيون العالم، وخاصة لدى وسائل الإعلام الأجنبية والعربية، كان بمثابة صوت هادئ رصين تنصت إليه وسائل الإعلام لتعرف موقف الثوار المصريين وإلى أين وصلوا وإلى أين يسيرون.
البرادعي يكاد لا يخطئ في حديثه للإعلام العربي والأجنبي، فهو هادئ، ديمقراطي، منفتح، يعرف ما يقول، ومتريث.
لذلك عندما يتحدث البرادعي لا تخشى على مصر والمصريين أو على ثورتها.
البرادعي يتحدث ببطء شديد وبنفس متقطع، كلماته تتوقف وتتعثر كثيرا، فهو يفكر في كل ما يقول، لذا تشعر وأنت تسمعه أنه يبحث عن كلماته ويختارها ويدقق فيها بعناية.
لذا يختلف البرادعي عن الخطباء والزعماء الكاريزميين الذين تمجدهم الثقافة السياسية العربية، فالبرادعي لا يتحدث بسرعة، ولا يجيد الحديث العاطفي، ولا يتحدث بصوت عالي، كما أن لا يصب غضبه على خصوم.
على العكس، يبدو البرادعي دائما بطيئا متأنيا صادقا يبحث عن كلماته وأفكاره ويرصها بعناية وحرص نادر يثير إعجاب كل من يقدر الخطاب السياسي الهادئ.
البرادعي ظل حتى أخر يوم مؤمنا بالثورة متمسكا بمطالبها وعلى رأسها سقوط النظام مطالبا مبارك بالرحيل ومتمنيا له رحيل أفضل مما قرر هو لنفسه.
البرادعي يتمتع بحس سياسي رائع، وقد مثل للثورة صوتا دوليا كانت في أمس الحاجة إليه، ولهذا يجب شكره.
أضف إلى ذلك أن البرادعي حتى الآن أثبت حكمته في قضايا مصيرية، فهو الوحيد القادر حتى الآن على التعامل مع جميع القوى السياسية المصرية، من إسلاميين وعلمانيين وليبراليين ويساريين.
البرادعي لم يشارك في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة من البداية، والتي شارك فيها البعض كالإخوان والوفد وأحزاب أخرى قبل أن يتراجعوا بعد تحقق نبوءة البرادعي.
نبوءة البرادعي السياسية كانت بمثابة نظرية سياسية مبكرة لفكر الثورة، فقد قامت على مبدأ أساسي وهي ضرورة تغيير قواعد اللعبة السياسية المصرية بشكل كامل كشرط للمشاركة، لهذا رفض البرادعي المشاركة في الانتخابات التشريعية وقبل آخرون، ليثبت لهم في النهاية أن البرادعي - ومن قاطعوا - كان على حق.
على نفس المنوال لم يشارك البرادعي في جلسات الحوار مع عمر سليمان في أيام الثورة الأخيرة في حين شارك آخرون.
وبهذا يتضح مبدأ إضافي من مبادئ البرادعي السياسية، وهي التعالي السياسي على النظام السابق وعدم التأثر بما يمارسه من ضغوط.
البرادعي لسبب ما لم يشعر بضغوط النظام كغيره، فهو لم يهادن، ولم يشارك في حوارات النظام أو انتخاباته.
البرادعي أرسل رسالة مبكرة ومستمرة مفادها أن النظام ضعيف وهو قوي، وأن النظام لا يرتقى للمستوى المطلوب.
بمعني أخر البرادعي ساهم دوما في رفع سقف المطالب السياسية وفي أضعاف صورة النظام في عيون المصريين والعالم.
أخيرا نجح البرادعي حتى الآن فيما عجز عنه غالبية السياسيين المصريين وهو عدم الدخول في خصومة مع أحد، فهو يبدو محلقا فوق الأفق الضيق للسياسات الداخلية والحزبية المصرية.
البرادعي يبدو مبشرا بأفق جديد وواسع للسياسة في مصر، وهو أفق نبحث عنه جميعا وتحتاج له مصر كثيرا في السنوات المقبلة.
لذا شكرا دكتور البرادعي لقد حققت الكثير، وإن كنا ننتظر منك أكثر.
No comments:
Post a Comment