مستقبل السياسة الخارجية المصرية بعد أبو الغيط
بقلم: علاء بيومي
استقالة أحمد أبو الغيط من الخارجية المصرية باتت ضرورية ومستحقة وملحة، ومن شأن تحققها إثلاج صدور كثير من المصريين.
فللأسف جسد أبو الغيط كثير من عيوب السياسة الخارجية المصرية وما لا ينبغي أن يكون عليه الدبلوماسي المصري.
أبو الغيط ظل وفيا للنظام حتى آخر لحظة، وكان واحد من هؤلاء الوزراء الذي عمل لخدمة للنظام لا في خدمة الشعب المصري.
فحتى أخر لحظة من عمر النظام السابق ظل أبو الغيط يردد حجج النظام الواهية المحذرة من الفوضى والانقلاب العسكري.
ثانيا: السيد أبو الغيط ألحق ضررا بالغا بصورة الدبلوماسي المصري لأنه باختصار عكسها أو قلبها رأسا على عقب، فالدبلوماسية هي الأداة الناعمة للسياسة الخارجية، وللأسف حولها أبو الغيط باقتدار لأداة غليظة وفظة.
فالسيد أبو الغيط صاحب أسلوب متعالي بامتياز، يعاني بشكل واضح من عدم القدرة على التواصل مع الجماهير، فأسلوبه قاسي ولغته حادة ونظراته مليئة بالجفاء وربما الغضب على مستمعيه.
وبالطبع يعود ذلك إلى أن السيد أبو الغيط وكثير من الوزراء المصريين السابقين والمسئولين السياسيين في الدول السلطوية ليسوا سياسيين بالمعنى الحقيقي للكلمة، فهم لم يضطروا يوما من الأيام لخوض الانتخابات، أو لمخاطبة ود الجماهير التي تدفع رواتبهم، أو لتعلم فنون الحديث إلى المواطن العادي البسيط والتعاطف معه.
وذلك لأن أو الغيط وغيره من المسئولين بالنظم السلطوية معينون من قبل النظام ويعملون لديه وليس لدى الشعوب كما ذكرنا من قبل.
وللأسف انعكس تعالي أبو الغيط على خطابه الخارجي حتى هدد بعض أبناء الشعب الفلسطيني المحتل بكسر أرجلهم، وهي لغة يصعب وربما يستحيل ربطها بالدبلوماسية أو بالثقافة العربية السائدة أو بمكانة مصر الإقليمية ودورها ومصالحها أو حتى صورتها.
ثالثا: السيد أبو الغيط الذي تولى الخارجية المصرية منذ عام 2004، وبذلك تربع على فترة من أسوأ فترات السياسة الخارجية المصرية التي تراجعت باستمرار في عهد مبارك.
فخلال عهد أبو الغيط انحصرت السياسة الخارجية المصرية في إدارة الحوار بين فتح وحماس، أو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو بين الفرقاء اللبنانيين كما حدث مؤخرا وعلى استحياء، مع العلم بأننا لا يوجد حوار أصلا بين الجماعات السابقة.
كما مالت مصر بشكل مؤسف لما يعرف لمعسكر الموالاة الموالي لأميركا بما عرف عنه من سياسات قريبة للغاية من سياسات اليمين الأميركي، فأميركا نفسها بها قيادات ليبرالية تتعاطف مع ما يسمى بمعسكر المعارضة العربي والذي يحظى بدعم جماهيري لا يستهان به.
وفي الحقيقة نحن لا ننادي هنا أو في أي موضع أخر بسياسة مصرية داعمة للموالاة أو للمعارضة، بل ندعو لسياسة مصرية خارجية فاعلة تنطلق من المصالح الوطنية المصرية بالأساس، وتقف بجوار القضايا العادلة بحكمة وتريث وشجاعة.
ولهذا نعتقد أن أيام أبو الغيط في السياسة الخارجية المصرية باتت معدودة، وأن على المصريين النظر من الآن لما بعد أبو الغيط والمطالبة بثورة في السياسة الخارجية المصرية على غرار ثورتهم على السياسات الداخلية، ونتمنى أن تطالب تلك الثورة بما يلي:
أولا: تبني سياسية مصرية خارجية قائمة على الاستقلالية والمصالح القومية المصرية، سياسية أكثر تمسكا بالمبادئ الدولية وأكثر اتساقا مع نفسها، سياسة تدافع عن حقوق الشعوب وكرامتها وتقف بجوار الديمقراطيات في العالم، وترفض الخضوع لأي ضغوط قصيرة النظر عديمة المبادئ.
ثانيا: إصلاح السياسة الخارجية المصرية يتطلب الاعتماد على أصحاب الكفاءات من أبناء الدبلوماسية المصرية وإطلاق أيديهم للإصلاح، وترك المحسوبية والبيروقراطية والفساد في اختيار القائمين على تلك الدبلوماسية.
ونحن هنا نؤكد على تقديرنا لكثير من الدبلوماسيين المصريين وللدبلوماسية المصرية العريقة، ونتمنى أن تتحقق مطالبهم الخاصة بالتخلص من التأثير السلبي للمحسوبية والبيروقراطية والفساد السياسي على مهنتهم العريقة.
لذا نتمنى أن تفتح المؤسسات الدبلوماسية المصرية العريقة أبوابها أمام الكفاءات المصرية المختلفة، وأن تكون أكثر تنافسية في اختيار ممثليها، والأمر نفسه ينطبق على الجامعات المصرية، ففي أميركا مثلا لا تنحصر الوظائف الدبلوماسية والجامعية على طبقة بعينها وفقا لمعايير بيروقراطية جامدة وعقيمة، فالطريق يبقى مفتوحا أمام أصحاب الكفاءات بما يضمن التنافسية وتطبيق قاعدة الاختيار للأصلح.
ثالثا: الدبلوماسية التي تبنتها مصر خلال العقود الأخيرة نخبوية بامتياز تفتقر لأحد أهم عناصر دعم أي دبلوماسية في العالم وهي دعم الجماهير، لذا نتمنى أن تتوجه الدبلوماسية المصرية الجديدة نحو ما يعرف بالدبلوماسية الشعبية.
نتمنى أن تفتح السفارات المصرية في الخارج أبوابها أمام ملايين المصريين المهاجرين للتعاون معها في بناء دبلوماسية بلدهم وتوضيح قضاياها والدفاع عن مصالحها.
نتمنى آلا تظل السفارات المصرية قلاعا مشيدة يتجنب المهاجر المصري من التعامل معها ولا يعلم لها دورا واضحا في الدفاع عنه وعن حقوقه أو مصالحه في دول المهجر.
في الماضي كان مثل هذا التعاون مستحيلا لسبب أساسي، وهو صعوبة الدفاع عن نظام سلطوي، وصعوبة التعاون مع نظام يقوم على إخضاع المصريين لا خدمتهم أو التعاون معهم.
الآن باتت الأمر ممكننا لأكثر من سبب، فقد تركت الثورة صورة أكثر من إيجابية عن مصر والمصريين، وباتت مصر محل إعجاب العالم وتعاطفه، كما أنها وحدت المصريين بشكل غير مسبوق وقربتهم من بعضهم البعض ومن بدلهم.
لذا باتت الفرصة مواتية أكثر من أي وقت مضى لقيام لوبيات مصرية تدافع عن مصالح بلدها ببلدان المهجر، وإن كان ذلك يتطلب تبني عهد وأسلوب جديد من الدبلوماسية المصرية نأمل أن تدخله مصر قريبا جدا.
No comments:
Post a Comment