جون إدواردز بين إعلاء القيم الليبرالية وتجاهل معاناة الفلسطينيين
مقال بقلم: علاء بيومي
الناشر: الجزيرة نت، 27 ديسمبر 2007
نص المقال
متابعة مواقف جون إدواردز بخصوص الشرق الأوسط تثير علامات استفهام عديدة حول مواقف قيادات الحزب الديمقراطي تجاه قضايانا، وقدرة تلك القيادات على اتخاذ مواقف جريئة تنقذ السياسة الأميركية مما أخطاءها العديدة في التعامل مع المنطقة
مرشح الأمل والفقراء
فمتابعة مواقف إدواردز المختلفة تدفعك لتقدير مواقفه الداخلية الرامية لمساعدة الطبقات الأميركية الفقيرة والضعيفة سياسيا، إذا يفتخر إدواردز بجذوره الفقيرة وبكونه أول من حصل على تعليما جامعيا بأسرته، وأنه تربي بمدينة صغير مهمشة وتعلم بالمدارس الأميركية الحكومية، وبنى نفسه بنفسه حتى صار محاميا شهيرا كون ثروة كبيرة من تخصصه في قضايا التعويضات
ويفضل إدواردز تقديم نفسه كسياسي قادر على الحديث إلى البسطاء بلغة يفهمونها، وكرجل عصامي استطاع النجاح في الحياة العملية دون أن ينسى المستضعفين وقضاياهم، وكرجل صاحب مبادئ غير راغب في السلطة، فإدواردز لم يفكر جديا في السياسة إلا بعد وفاة ولده الأكبر وواد في عام 1996 في حادث سيارة مفاجئ، حيث عاش إدواردز قبل ذلك حياة عادية كمحامي ناجح يكسب الملايين من قضايا التعويضات التي أكسبته شهرة واسعة، ولكن بعد وفاة وواد مر إدواردز بفترة إعادة تقييم لحياته دفعته لعزلة ثم التوجه للعمل العام فتوجه للسياسة، وتركت زوجته – إليزابيث – المحاماة، وأنشئا معا مؤسسة تعليمية خيرية تحت اسم ابنهما المتوفي لتقديم منح دراسية للطلاب الفقراء، كما قررا إعادة الإنجاب من جديد لينجبا ثلاثة أطفال
ورشح إدواردز نفسه لانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي في عام 1998 لينجح ويصبح عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي بداية من عام أوائل 1999 وحتى استقالته في أواخر عام 2004
حصان أسود الانتخابات الرئاسية
وتشير التقارير أن إدواردز يعتمد في حملاته الانتخابية على ثروته الخاصة وعلى دعم أصدقاءه من المحامين الأثرياء له مما يجعله أقل اعتمادا على أموال جماعات اللوبي، وهو أمر يفتخر به إدواردز والذي يتحدث بشكل متزايد عن رفضه لسيطرة الشركات الكبرى على واشنطن
ومن أهم ما يميز حملات إدواردز الانتخابية جديتها وتنظيمها وقدرة إدواردز على التواصل مع الجماهير مما يجعله قادرا على التقدم بشكل مستمر سياسيا والصعود لأعلى في تلك الحملات، فقد خاض إدواردز معركة الترشيح للرئاسة الأميركية بنجاح كبير في عام 2004، حيث رشح إدواردز نفسه للمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية ولم يمض على وجوده في مجلس الشيوخ أكثر من أربعة سنوات، وعلى الرغم من قلة خبرته السياسية تمكن من التقدم على مرشحين كبار مثل هاورد دين - حاكم ولاية فيرمونت السابق - ووسلي كلارك - الخبير في مكافحة الإرهاب، وصار أهم المنافسين للسيناتور جون كيري والذي فاز بترشيح الحزب الديمقراطي واختار إدواردز نائبا له ليخوض معه الانتخابات الرئاسية، والتي لم تكلل بالنجاح
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه خلال موسم الانتخابات الرئاسية الحالية (2008)، فبعد أن استقال جون إدواردز عن عضوية مجلس الشيوخ الأميركي في 2005 عاد إدواردز إلى الأضواء مجددا بترشيح نفسه للمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، وذلك في مواجهة مرشحين أقوياء مثل هيلاري كلينتون وباراك أوباما واللذان يحظيان بشعبية واسعة، ويبدو أن إدواردز يسير بخطى منتظمة نحو الأمام، حيث تظهر الاستطلاعات المختلفة أنه ثالث المرشحين الديمقراطيين من حيث التأييد الجماهيري أو حجم التبرعات التي جمعها، وأن شعبيته في صعود يوما بعد يوم، وأنه قد يصبح حصان الانتخابات الأسود كما حدث في انتخابات عام 2004
أكثر جراءة ويسارية
ويقول البعض أن جون إدواردز العائد للسياسية والحملات الانتخابية يتميز هذه المرة بخطاب أكثر جراءة ويسارية، فليس لدى إدواردز ما يخسره أو يقيده، فإدواردز ليس عضوا بمجلس الشيوخ، كما أنه ثالث المرشحين بعد هيلاري وأوباما مما يدفعه للتشدد في خطابه أملا في جلب الأضواء والمساندين
ويرى البعض أن تشدد أوباما في خطابه اليساري المساند لحقوق الفقراء والمستضعفين يعود لخلفية إدواردز الفقيرة ولظروفه الشخصية وأنه يعكس قيمه الحقيقية، ويرى آخرون أنه محاولة لجذب الأضواء ليس أكثر في مواجهة هيلاري وأوباما الأكثر شعبية
ويشير البعض هنا إلى انضمام جو تريبي مدير حملة هاورد دين الرئاسية (2004) لحملة إدواردز الحالية (2008)، ويرى هؤلاء أن انضمام تريبي لحملة إدواردز - والدعم الكبير الذي يتلقاه من إليزابيث إدواردز كما يعتقدون - له دلالات هامة، فالمعروف عن تريبي يساريته وجماهيريته الواسعة وخطابه الحماسي في مساندة الفقراء والمستضعفين، وأنه لعب دورا في حشد تأييد الديمقراطيين لحملة هاورد دين والذي مال أكثر نحو اليسار ونحو التشدد ونحو معارضة حرب العراق، ويرى البعض أن انضمام تريبي لحملة إدواردز أكد توجهها نحو الخطاب اليساري الأكثر تشددا وحماسة
وينعكس هذا الخطاب على أجندة إدواردز الانتخابية والتي تركز على أربع قضايا أساسية وهي مكافحة الفقر وتوفير الرعاية الصحية لجميع الأميركيين وإزالة الإعفاءات الضريبية التي منحها جورج دبليو بوش للأثرياء والانسحاب من العراق، ويقول إدواردز أنه لديه خطط حقيقية لعلاج القضايا السابقة وخاصة الداخلية منها ويتحدى منافسيه تقديم خطط مشابهة أو مناظرة
ولا ينسى إدواردز انتقاد سياسة بوش الداخلية خاصة على مستوى الحقوق المدنية، ويجب هنا الإشارة إلى أن إدواردز صوت لقانون الوطنية المعني بمكافحة الإرهاب "باتريوت آكت" والذي تعرض لانتقادات واسعة بسبب شموله على بنودا تعد انتهاكا للحريات المدنية الأميركية، ولكن إدواردز عاد وأكد على خطأ تلك الانتهاكات وعلى ضرورة حماية الحريات الأميركية في أوقات الأزمات
مهادنة دولية
يسارية إدواردز على الساحة الداخلية تزامنت مع تبنيه خطابا أكثر مهادنة على المستوى الدولي، حيث يطالب إدواردز بسياسة أميركية أكثر احتراما للحلفاء وتحاورا مع الأعداء وعلى رأسهم كوريا الشمالية وإيران وسوريا، حيث يرى إدواردز أنه كرئيس لأميركا لن يتردد في الحوار مع دولة كإيران، ولن يتردد في فتح باب الحوار مع إيران وسوريا بخصوص العراق وإمكانية أن تقوم الدولتان بدعم استقرار العراق، فهو يرى أن مشكلة السياسة الأميركية حالية هو أنها ترفض الحوار وتلوح العصى الأميركية وحدها ولا تلوح بالجزرة، ويرى أن الحل الأفضل في التعامل مع دول كإيران وكوريا الشمالية هو الدخول في حوار جاد معها، وإغراءها بعدد من الحوافز التي يمكن أن تستفيد منها كالاستثمارات والمساعدات الاقتصادية في حالة تخليها عن برامجها المعارضة للسياسة الأميركية، وذلك مع الإبقاء على جميع الخيارات مفتوحة – بما في ذلك خيار استخدام القوة العسكرية – أمام الرئيس
وينادي إدواردز بسياسة أميركية خارجية تعكس القيم وبالمبادئ الأميركية من خلال احترام المعاهدات الدولية ودعمها، والعمل مع المجتمع الدولي لمكافحة التهديدات الدولية مثل الدول الفاشلة والفقر والإرهاب، ونشر الديمقراطية عبر العالم من خلال بناء مؤسسات المجتمع المدني بالدول النامية ودعم تلك المؤسسات دون الإسراع في عقد انتخابات، وربط المساعدات الأميركية للدول الأجنبية بالتزام تلك الدول بالديمقراطية، وهنا يدعم إدواردز بناء منظمة للأمن والتعاون بالشرق الأوسط تدعم المجتمعات المدنية وتنشر الديمقراطية بالدول العربية على غرار مؤسسة الأمن والتعاون الأوربية والتي عملت على دعم مجتمعات أوربا الشرقية ودفعها نحو الديمقراطية
العراق
وتنطبق مواقف إدواردز اليسارية السابقة على موقفه تجاه العراق، ومن المعروف هنا أن إدواردز أيد قانون استخدام القوة العسكرية ضد العراق وتحدث في أكثر من مناسبة عن الخطر الذي كان يمثله نظام صدام حسين وعن سعيه لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعن ضرورة تغيير النظام العراقي، وهو أمر يندم عليه إدواردز حاليا، ويقول أنه أخطأ فيه وأن الفارق بينه وبين بعض منافسيه مثل هيلاري كلينتون أنه لن يدعم أي قرار لمساندة الحرب ضد العراق بعدما أدرك حقيقة الأوضاع هناك، ويرد عليه البعض هنا بتذكيره بأنه لم يعد عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي ولن يطلب منه أحد التصويت مجددا على مشاريع خاصة بحرب العراق
ومن الملاحظ أن إدواردز شكك قبل حرب العراق في قدرة الإدارة الأميركية على التخطيط والاستعداد لفترة ما بعد سقوط النظام العراقي، وينتقد إدواردز حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لفشلها في التقدم نحو إيجاد حلي سياسي لمشكلة العراق، ويقول أنه لو أصبح رئيسا فسوف يسحب 40 ألف جندي أميركي من العراق فورا على أن يقوم بسحب غالبية القوات خلال عام أو عام ونصف من توليه الرئاسة، ولكنه يعود ليؤكد على أنه سوف يبقى بعض القوات الأميركية بالعراق لفترة لضمان عدم وقوع حرب مدنية في العراق أو تعرض العراق لاعتداءات من جيرانه، وهو أمر يصفه منتقدي إدواردز بالتناقض
التشدد وإغفال حقوق الفلسطينيين
التناقض بخصوص العراق ليس النقد الوحيد الذي يمكن أن يوجه إلى مواقف إدواردز الخارجية، فالواضح أن أجندة وخطاب إدواردز على مستوى الداخلي تتعارض بحد كبير مع أجندته على المستوى الدولي كلما اقتربنا من بلدان الشرق الأوسط وخصوصا من الصراع العربي الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال يبدي إدواردز تشددا واضحا ضد المملكة العربية السعودية متهما إياها بعدم فعل ما يكفي لمكافحة الإرهاب، ويعارض صفقة تذويد المملكة بأسلحة أميركية يقدر ثمنها بعشرين مليار دولار والتي أعلن عنها مؤخرا، ويحث على تقليل اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط
أما التناقض الأكبر فيتعلق بموقف إدواردز تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، إذ لا يفوت إدواردز فرصة لتأكيد التزامه بحماية أمن إسرائيل والتي زارها أكثر من مرة، بترتيب من منظمات لوبي إسرائيل أحيانا، وعلى ضرورة أن تحمي إسرائيل نفسها ضد هجمات الجماعات الفلسطينيين وعلى حق إسرائيل غير المقيد في الرد على تلك الهجمات، وبذلك يحيد إدواردز عن بعض مواقف الديمقراطيين التي كانت تحمل إسرائيل مسئولية متساوية مع الفلسطينيين في وقف دائرة العنف
كما يعلن إدواردز مساندته لأكثر من سياسة يمينية متشددة مثل سياسات الانسحاب الأحادي، وحائط الفصل، وخارطة الطريق، وجميعها سياسات طبقت خلال فترة حكم شارون وبالتعاون مع إدارة جورج دبليو بوش وثبت فشلها لأسباب مختلفة
ويقول إدواردز أنه كرئيس لأميركا سوف يتبنى دبلوماسية نشطة لإحياء عملية السلام وسوف يقوم كرئيس للولايات المتحدة بزيارة المنطقة وإرسال وزير خارجية تكرارا وتعيين مبعوث خلال بالشرق الأوسط من أجل أحياء عملية السلام كما سيقوم بدعم القوى المساندة للسلام داخل السلطة الفلسطينية
ولكن إدواردز لا يقدم شرحا واضحا للخطوات المحددة التي سوف يتخذها مبعوثيه لإحياء عملية السلام، ولا يتحدث عن دور إسرائيل نفسها في إحياء السلام، فهو يكاد يلقى اللوم الكامل على الفلسطينيين ويتناسى حقوقهم، ويرفض الضغط على إسرائيل
وهنا تظهر ازدواجية مواقف قيادات الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ففي الوقت الذي ينادي فيه بعض هؤلاء بالحقوق والحريات المدنية داخل أميركا وبمساعدة المستضعفين حول العالم، نجدهم يتجاهلون حقوق شعوب العالم العربي لأسباب مختلفة ليس هذا محل تفنيدها
-----
مقالات ذات صلة
ترويض أوباما
إليوت إبرامز: أخر قلاع المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية
من يحكم إميركا؟
الناشر: الجزيرة نت، 27 ديسمبر 2007
نص المقال
متابعة مواقف جون إدواردز بخصوص الشرق الأوسط تثير علامات استفهام عديدة حول مواقف قيادات الحزب الديمقراطي تجاه قضايانا، وقدرة تلك القيادات على اتخاذ مواقف جريئة تنقذ السياسة الأميركية مما أخطاءها العديدة في التعامل مع المنطقة
مرشح الأمل والفقراء
فمتابعة مواقف إدواردز المختلفة تدفعك لتقدير مواقفه الداخلية الرامية لمساعدة الطبقات الأميركية الفقيرة والضعيفة سياسيا، إذا يفتخر إدواردز بجذوره الفقيرة وبكونه أول من حصل على تعليما جامعيا بأسرته، وأنه تربي بمدينة صغير مهمشة وتعلم بالمدارس الأميركية الحكومية، وبنى نفسه بنفسه حتى صار محاميا شهيرا كون ثروة كبيرة من تخصصه في قضايا التعويضات
ويفضل إدواردز تقديم نفسه كسياسي قادر على الحديث إلى البسطاء بلغة يفهمونها، وكرجل عصامي استطاع النجاح في الحياة العملية دون أن ينسى المستضعفين وقضاياهم، وكرجل صاحب مبادئ غير راغب في السلطة، فإدواردز لم يفكر جديا في السياسة إلا بعد وفاة ولده الأكبر وواد في عام 1996 في حادث سيارة مفاجئ، حيث عاش إدواردز قبل ذلك حياة عادية كمحامي ناجح يكسب الملايين من قضايا التعويضات التي أكسبته شهرة واسعة، ولكن بعد وفاة وواد مر إدواردز بفترة إعادة تقييم لحياته دفعته لعزلة ثم التوجه للعمل العام فتوجه للسياسة، وتركت زوجته – إليزابيث – المحاماة، وأنشئا معا مؤسسة تعليمية خيرية تحت اسم ابنهما المتوفي لتقديم منح دراسية للطلاب الفقراء، كما قررا إعادة الإنجاب من جديد لينجبا ثلاثة أطفال
ورشح إدواردز نفسه لانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي في عام 1998 لينجح ويصبح عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي بداية من عام أوائل 1999 وحتى استقالته في أواخر عام 2004
حصان أسود الانتخابات الرئاسية
وتشير التقارير أن إدواردز يعتمد في حملاته الانتخابية على ثروته الخاصة وعلى دعم أصدقاءه من المحامين الأثرياء له مما يجعله أقل اعتمادا على أموال جماعات اللوبي، وهو أمر يفتخر به إدواردز والذي يتحدث بشكل متزايد عن رفضه لسيطرة الشركات الكبرى على واشنطن
ومن أهم ما يميز حملات إدواردز الانتخابية جديتها وتنظيمها وقدرة إدواردز على التواصل مع الجماهير مما يجعله قادرا على التقدم بشكل مستمر سياسيا والصعود لأعلى في تلك الحملات، فقد خاض إدواردز معركة الترشيح للرئاسة الأميركية بنجاح كبير في عام 2004، حيث رشح إدواردز نفسه للمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية ولم يمض على وجوده في مجلس الشيوخ أكثر من أربعة سنوات، وعلى الرغم من قلة خبرته السياسية تمكن من التقدم على مرشحين كبار مثل هاورد دين - حاكم ولاية فيرمونت السابق - ووسلي كلارك - الخبير في مكافحة الإرهاب، وصار أهم المنافسين للسيناتور جون كيري والذي فاز بترشيح الحزب الديمقراطي واختار إدواردز نائبا له ليخوض معه الانتخابات الرئاسية، والتي لم تكلل بالنجاح
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه خلال موسم الانتخابات الرئاسية الحالية (2008)، فبعد أن استقال جون إدواردز عن عضوية مجلس الشيوخ الأميركي في 2005 عاد إدواردز إلى الأضواء مجددا بترشيح نفسه للمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، وذلك في مواجهة مرشحين أقوياء مثل هيلاري كلينتون وباراك أوباما واللذان يحظيان بشعبية واسعة، ويبدو أن إدواردز يسير بخطى منتظمة نحو الأمام، حيث تظهر الاستطلاعات المختلفة أنه ثالث المرشحين الديمقراطيين من حيث التأييد الجماهيري أو حجم التبرعات التي جمعها، وأن شعبيته في صعود يوما بعد يوم، وأنه قد يصبح حصان الانتخابات الأسود كما حدث في انتخابات عام 2004
أكثر جراءة ويسارية
ويقول البعض أن جون إدواردز العائد للسياسية والحملات الانتخابية يتميز هذه المرة بخطاب أكثر جراءة ويسارية، فليس لدى إدواردز ما يخسره أو يقيده، فإدواردز ليس عضوا بمجلس الشيوخ، كما أنه ثالث المرشحين بعد هيلاري وأوباما مما يدفعه للتشدد في خطابه أملا في جلب الأضواء والمساندين
ويرى البعض أن تشدد أوباما في خطابه اليساري المساند لحقوق الفقراء والمستضعفين يعود لخلفية إدواردز الفقيرة ولظروفه الشخصية وأنه يعكس قيمه الحقيقية، ويرى آخرون أنه محاولة لجذب الأضواء ليس أكثر في مواجهة هيلاري وأوباما الأكثر شعبية
ويشير البعض هنا إلى انضمام جو تريبي مدير حملة هاورد دين الرئاسية (2004) لحملة إدواردز الحالية (2008)، ويرى هؤلاء أن انضمام تريبي لحملة إدواردز - والدعم الكبير الذي يتلقاه من إليزابيث إدواردز كما يعتقدون - له دلالات هامة، فالمعروف عن تريبي يساريته وجماهيريته الواسعة وخطابه الحماسي في مساندة الفقراء والمستضعفين، وأنه لعب دورا في حشد تأييد الديمقراطيين لحملة هاورد دين والذي مال أكثر نحو اليسار ونحو التشدد ونحو معارضة حرب العراق، ويرى البعض أن انضمام تريبي لحملة إدواردز أكد توجهها نحو الخطاب اليساري الأكثر تشددا وحماسة
وينعكس هذا الخطاب على أجندة إدواردز الانتخابية والتي تركز على أربع قضايا أساسية وهي مكافحة الفقر وتوفير الرعاية الصحية لجميع الأميركيين وإزالة الإعفاءات الضريبية التي منحها جورج دبليو بوش للأثرياء والانسحاب من العراق، ويقول إدواردز أنه لديه خطط حقيقية لعلاج القضايا السابقة وخاصة الداخلية منها ويتحدى منافسيه تقديم خطط مشابهة أو مناظرة
ولا ينسى إدواردز انتقاد سياسة بوش الداخلية خاصة على مستوى الحقوق المدنية، ويجب هنا الإشارة إلى أن إدواردز صوت لقانون الوطنية المعني بمكافحة الإرهاب "باتريوت آكت" والذي تعرض لانتقادات واسعة بسبب شموله على بنودا تعد انتهاكا للحريات المدنية الأميركية، ولكن إدواردز عاد وأكد على خطأ تلك الانتهاكات وعلى ضرورة حماية الحريات الأميركية في أوقات الأزمات
مهادنة دولية
يسارية إدواردز على الساحة الداخلية تزامنت مع تبنيه خطابا أكثر مهادنة على المستوى الدولي، حيث يطالب إدواردز بسياسة أميركية أكثر احتراما للحلفاء وتحاورا مع الأعداء وعلى رأسهم كوريا الشمالية وإيران وسوريا، حيث يرى إدواردز أنه كرئيس لأميركا لن يتردد في الحوار مع دولة كإيران، ولن يتردد في فتح باب الحوار مع إيران وسوريا بخصوص العراق وإمكانية أن تقوم الدولتان بدعم استقرار العراق، فهو يرى أن مشكلة السياسة الأميركية حالية هو أنها ترفض الحوار وتلوح العصى الأميركية وحدها ولا تلوح بالجزرة، ويرى أن الحل الأفضل في التعامل مع دول كإيران وكوريا الشمالية هو الدخول في حوار جاد معها، وإغراءها بعدد من الحوافز التي يمكن أن تستفيد منها كالاستثمارات والمساعدات الاقتصادية في حالة تخليها عن برامجها المعارضة للسياسة الأميركية، وذلك مع الإبقاء على جميع الخيارات مفتوحة – بما في ذلك خيار استخدام القوة العسكرية – أمام الرئيس
وينادي إدواردز بسياسة أميركية خارجية تعكس القيم وبالمبادئ الأميركية من خلال احترام المعاهدات الدولية ودعمها، والعمل مع المجتمع الدولي لمكافحة التهديدات الدولية مثل الدول الفاشلة والفقر والإرهاب، ونشر الديمقراطية عبر العالم من خلال بناء مؤسسات المجتمع المدني بالدول النامية ودعم تلك المؤسسات دون الإسراع في عقد انتخابات، وربط المساعدات الأميركية للدول الأجنبية بالتزام تلك الدول بالديمقراطية، وهنا يدعم إدواردز بناء منظمة للأمن والتعاون بالشرق الأوسط تدعم المجتمعات المدنية وتنشر الديمقراطية بالدول العربية على غرار مؤسسة الأمن والتعاون الأوربية والتي عملت على دعم مجتمعات أوربا الشرقية ودفعها نحو الديمقراطية
العراق
وتنطبق مواقف إدواردز اليسارية السابقة على موقفه تجاه العراق، ومن المعروف هنا أن إدواردز أيد قانون استخدام القوة العسكرية ضد العراق وتحدث في أكثر من مناسبة عن الخطر الذي كان يمثله نظام صدام حسين وعن سعيه لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعن ضرورة تغيير النظام العراقي، وهو أمر يندم عليه إدواردز حاليا، ويقول أنه أخطأ فيه وأن الفارق بينه وبين بعض منافسيه مثل هيلاري كلينتون أنه لن يدعم أي قرار لمساندة الحرب ضد العراق بعدما أدرك حقيقة الأوضاع هناك، ويرد عليه البعض هنا بتذكيره بأنه لم يعد عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي ولن يطلب منه أحد التصويت مجددا على مشاريع خاصة بحرب العراق
ومن الملاحظ أن إدواردز شكك قبل حرب العراق في قدرة الإدارة الأميركية على التخطيط والاستعداد لفترة ما بعد سقوط النظام العراقي، وينتقد إدواردز حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لفشلها في التقدم نحو إيجاد حلي سياسي لمشكلة العراق، ويقول أنه لو أصبح رئيسا فسوف يسحب 40 ألف جندي أميركي من العراق فورا على أن يقوم بسحب غالبية القوات خلال عام أو عام ونصف من توليه الرئاسة، ولكنه يعود ليؤكد على أنه سوف يبقى بعض القوات الأميركية بالعراق لفترة لضمان عدم وقوع حرب مدنية في العراق أو تعرض العراق لاعتداءات من جيرانه، وهو أمر يصفه منتقدي إدواردز بالتناقض
التشدد وإغفال حقوق الفلسطينيين
التناقض بخصوص العراق ليس النقد الوحيد الذي يمكن أن يوجه إلى مواقف إدواردز الخارجية، فالواضح أن أجندة وخطاب إدواردز على مستوى الداخلي تتعارض بحد كبير مع أجندته على المستوى الدولي كلما اقتربنا من بلدان الشرق الأوسط وخصوصا من الصراع العربي الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال يبدي إدواردز تشددا واضحا ضد المملكة العربية السعودية متهما إياها بعدم فعل ما يكفي لمكافحة الإرهاب، ويعارض صفقة تذويد المملكة بأسلحة أميركية يقدر ثمنها بعشرين مليار دولار والتي أعلن عنها مؤخرا، ويحث على تقليل اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط
أما التناقض الأكبر فيتعلق بموقف إدواردز تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، إذ لا يفوت إدواردز فرصة لتأكيد التزامه بحماية أمن إسرائيل والتي زارها أكثر من مرة، بترتيب من منظمات لوبي إسرائيل أحيانا، وعلى ضرورة أن تحمي إسرائيل نفسها ضد هجمات الجماعات الفلسطينيين وعلى حق إسرائيل غير المقيد في الرد على تلك الهجمات، وبذلك يحيد إدواردز عن بعض مواقف الديمقراطيين التي كانت تحمل إسرائيل مسئولية متساوية مع الفلسطينيين في وقف دائرة العنف
كما يعلن إدواردز مساندته لأكثر من سياسة يمينية متشددة مثل سياسات الانسحاب الأحادي، وحائط الفصل، وخارطة الطريق، وجميعها سياسات طبقت خلال فترة حكم شارون وبالتعاون مع إدارة جورج دبليو بوش وثبت فشلها لأسباب مختلفة
ويقول إدواردز أنه كرئيس لأميركا سوف يتبنى دبلوماسية نشطة لإحياء عملية السلام وسوف يقوم كرئيس للولايات المتحدة بزيارة المنطقة وإرسال وزير خارجية تكرارا وتعيين مبعوث خلال بالشرق الأوسط من أجل أحياء عملية السلام كما سيقوم بدعم القوى المساندة للسلام داخل السلطة الفلسطينية
ولكن إدواردز لا يقدم شرحا واضحا للخطوات المحددة التي سوف يتخذها مبعوثيه لإحياء عملية السلام، ولا يتحدث عن دور إسرائيل نفسها في إحياء السلام، فهو يكاد يلقى اللوم الكامل على الفلسطينيين ويتناسى حقوقهم، ويرفض الضغط على إسرائيل
وهنا تظهر ازدواجية مواقف قيادات الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة ففي الوقت الذي ينادي فيه بعض هؤلاء بالحقوق والحريات المدنية داخل أميركا وبمساعدة المستضعفين حول العالم، نجدهم يتجاهلون حقوق شعوب العالم العربي لأسباب مختلفة ليس هذا محل تفنيدها
-----
مقالات ذات صلة
ترويض أوباما
إليوت إبرامز: أخر قلاع المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية
من يحكم إميركا؟